رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
‏من خواطر صيف


المشاهدات 1628
تاريخ الإضافة 2025/07/02 - 10:26 PM
آخر تحديث 2025/07/11 - 1:33 AM

‏لو عاش الشاعر إيليا أبو ماضي في العراق، لا أظن أنه سيكتب قصيدته عن الصيف: «عاد للأرض مع الصيف صباها». ففي أبياتها شطحات ومبالغات لا تنتمي إلى الواقع عندما يصف الأرض بقوله: «صورٌ من خضرةٍ في نضرةٍ/ ما رآهـا أحدٌ إلا اشتهاهـا»، فأية خضرة، وأية نضرة، وماذا يشتهي.. وكل شيء يغلي من حولنا كالمرجل؟!
‏وفي كتابه «من لغو الصيف» يتحدث لنا عميد الأدب العربي طه حسين عن شمس الصيف الحارقة المحرقة، اللاهبة الملتهبة، التي تجعل الناس يهيمون على وجوههم وقد ضاقوا بالدنيا الواسعة وضاقت بهم بحثاً عن حفنة من نسيم!.
‏ويا لهذا اللهيب الذي يلفح الوجوه، ونحن في بدايات تموز ولا من نسيمات غضَّة باردة تنفذ خلسة إلى أعماق الحنايا فتنعش الروح والجسد، أو رشفة ماء نبلُّ بها الريق من ذلك العذب النمير!.
‏والشاعر الفرنسي رامبو عاش عمراً قصيراً وأنهى عذابه في الحياة بقصيدتة الخالدة «فصل في الجحيم» توقف بعدها إلى الأبد!.
‏ومرة ذهبت أزور الشيخ جلال الحنفي في جامع الخلفاء بعدما أصيب بحمَّى شديدة، فاستقبلني بالمثل البغدادي: «من شؤم حظي تجيني النائبات أرداف»!.
‏وسألته عن هذه النائبات؟ فقال ساخراً: إن أحدنا لو قام في هذه الساعة من قيلولة الصيف، ووضع عجيناً على الحائط لرآه يتحول إلى رغيف خبز من شدة الحر!.
‏وفي القرآن الكريم قوله تعالى: «وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنم أشدّ حراً»، وكانت العرب إذا دعت على شخص بالبلاء تدعو عليه بالحمَّى، أو بحرٍّ شديد.
‏وأيام زمانً كانوا يقولون عن الصيف «أبو الفقراء»، وكانت فرحتنا بحرّ تموز أجمل من فرحتنا ببرد الكوانين، ونحن نتقن جميع فنون السباحة. على الظهر وعلى البطن وباليدين. ثم أصبح الصيف بجفافه ويباسه مثل «الأبقار السبع في حلم فرعون».
‏ومن أشدِّ أنواع الحمّى ما يصيب العاشق من ارتفاع درجة حرارة العشق.. والأديب الموصلي علي الجميل يقول في مليح محموم:
‏قالوا حبيبكَ محمومٌ فقلتُ لهم:
‏إنّي امرؤٌ صادقٌ لا أعرفُ الكذبا
‏أستغفرُ اللهَ عن ذنبٍ شقيتُ به
‏أنا الذي كنتُ في حمَّائه سبَبَـا
‏وإذا كان الشاعر الإيطالي دانتي كتب فصلاً عن «الجحيم» في ملحمته «الكوميديا الإلهية»، فهنالك أحد الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية أوصى أن يكتبوا على شاهدة قبره هذه العبارة:
‏إلهي لقد خدمتُ قبل الآن في الجحيم!


تابعنا على
تصميم وتطوير