رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
تقاليد شعبية تروي سيرة الروح العراقية


المشاهدات 1843
تاريخ الإضافة 2025/07/02 - 10:28 PM
آخر تحديث 2025/07/11 - 2:34 AM

في أرضٍ امتزج فيها التاريخ بالحياة اليومية، حيث ينهض النهران ليغسلا الذاكرة كل فجر، تنبض العادات والتقاليد العراقية كأنها أغنية قديمة تتردد على لسان الأجيال. ليست تلك التقاليد مجرد مظاهر اجتماعية، بل هي أنسجة عميقة من هوية الإنسان العراقي، تحكي عن حضارة عمرها آلاف السنين، وحكمة شعبٍ عاش التحديات ولم يفقد بوصلته الإنسانية. الاحترام... أول بوابات القيم
يحمل العراقي في قلبه تقديساً خاصاً للكبار في السن، ليس فقط تقديراً للعمر، بل إيماناً بأن الشيب هو كتاب مفتوح من التجربة. يُقدَّم الكبير في المجالس، وتُقبَّل يده في الريف كما في المدن، ويُنصت لحديثه بوصفه مرجعاً للحكمة والرأي. وللمرأة في العراق، مكانة عالية تُصان بكل هيبة. سواء كانت أماً، أختاً، زوجة أو ضيفة، فإن احترام المرأة يُعد من الواجبات الأخلاقية غير القابلة للتفاوض. في الريف الجنوبي مثلاً، يُقال للرجل الذي يُحسن معاملة النساء:  أصلك طيّب وربّاك بيت يعرف الشرف.
حين تتكلم الأيادي
في العراق، كل إيماءة لها دلالتها. اليد اليمنى لا تُستخدم اعتباطًا، فهي اليد التي نُسلّم بها، ونأكل بها، ونقدم بها الهدايا، دلالة على الطُهر والمودّة. أما اليد اليسرى، فموضعها في التنظيف لا يجعل منها وسيلة في المجاملات أو المعاملات، التزامًا بأعراف متوارثة.
المجاملة فنٌ متوارث
لا يُعتبر العراقي مجاملاً سطحيًّا، بل يملك قاموساً من العبارات التي تنبع من صميم وجدانه. حين ترى شخصاً خرج لتوّه من الحمّام أو صالون الحلاقة، تُبادره بقولك:  نعيماً ، وحين يعطس، تقول له:  يرحمك الله  فيردّ: «بارك فيك». هذه العبارات ليست مجرد كلمات، بل تقاليد شفهية تحفظ حرارة العلاقة اليومية.
الضيافة... مرآة الكرم العراقي
منذ أيام السومريين والبابليين، وُصِف العراقي بأنه كريم، وقد تعززت هذه السمة في القرون اللاحقة، حتى صار الكرم عنواناً للشخصية العراقية. لا يُمكن أن تزور بيتاً عراقياً دون أن يُعرض عليك الشاي بداية، ثم الطعام، وأحياناً يتمسك المضيف بأن «تذوق لقمة» حتى وإن أصرّ الضيف على الاعتذار. في الجنوب، يقول المثل الشعبي: «الضيف رحمة، ومجيئه بركة»، وهي فلسفة حياة كاملة، لا مجرّد عادة.
ومن مظاهر حسن الضيافة أيضاً، خلع الأحذية عند مدخل المنزل، دلالة على الطهارة والاحترام للمكان، خصوصاً في البيوت الريفية أو التي تتبع الطابع الديني المحافظ.
الهدايا... جسور الود بين القلوب
إحضار هدية صغيرة عند زيارة الأهل أو الأصدقاء تقليد لا يزال راسخاً في الذاكرة العراقية. لا يُشترط أن تكون الهدية غالية، بل يكفي أن تعكس المحبة والتقدير. في الأعراس، في العزاء، في الولادات والمناسبات الدينية، يحرص العراقي على أن يكون  حاضرًا  بهدية، ولو كانت أبسط الأشياء، لأن في حضورها رسالة: «أنا معك».
الدعوات والزيارات... قوام النسيج الاجتماعي يُعرف العراقي بكثرة زياراته الاجتماعية، لا لحاجة، بل كنوع من تعزيز الأواصر. تُقام الولائم والموائد في مختلف المناسبات، من الأعراس إلى الموالد الدينية، ومن جلسات العزاء إلى سهرات رمضان. بل إن بعض المناطق لا تزال تُخصص أيامًا بعينها لـ «الزيارات العائلية» مثلما كان الحال في بغداد القديمة أو أرياف ديالى والناصرية.
إذا فالعادات والتقاليد في العراق ليست مجرد طقوس عابرة، بل هي منظومة متكاملة من القيم التي تحفظ التوازن بين الفرد والمجتمع، وتُعبّر عن احترام الإنسان لنفسه ولغيره. وبينما تغيّرت الحياة وتبدلت المدن، بقيت هذه التقاليد كالماء الجاري، تتجدد دون أن تفقد نقاءها الأبدي .
 


تابعنا على
تصميم وتطوير