الدكتور مليح صالح شكر
باحث في تاريخ الصحافة العراقية
هذه واحدة من محاولات البحث الصعبة في تاريخ إهتمام الدوائر الأمنية قبل احتلال العراق عام 2003 في إصدار مطبوعات داخلية توزع حصراً لمنتسبيها دون أن يتيسر للمواطن خارج هذه الدوائر الإطلاع عليها.وهذه تفاصيل لم يسبق لأحد قبلي أن كتب عنها ونشر بعض صورها.
كان الحصول على معلومات كافية بهذا الخصوص مهمة مضنية لعدم توفر نسخ من تلك المجلات وكذلك صعوبة توفر أحد من أؤلئك العاملين أو المحررين فيها.
ولو توافرت المعلومات بشأن إحدى المجلات فلن تجد معلومات عن مجلة أخرى.
الهدهد
وهذا هو ما تعرضت له حيث لم تتوفر لدي معلومات مفصلة عن مجلة هدهد للاستخبارات العسكرية بالرغم من حصولي على صور لها.
حنين
في جهاز المخابرات العامة بالعراق هنالك مجلة فصلية تصدر عن كلية الأمن القومي كل ثلاثة أشهر بينما تصدر مجلة حنين شهرياً ومخصصة حصراً لمنتسبي الجهاز ويكون رئيس الجهاز عادةً رئيساً للتحرير بينما يكتب الافتتاحية مدير شعبة الصحافة بالجهاز.
ووفقاً لأحد المحررين بتلك المجلة أنها كانت تنشر تجارب أجهزة المخابرات في العالم ومستجدات العمل الاستخباراتي وتنافس أجهزة مخابرات الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية.
ويوضح أحد محرري حنين أنه لم يحتفظ بنسخة من المجلة التزاماً بالتعليمات التي تمنع الموظف في الجهاز من الاحتفاظ بمنزله بوثائق الجهاز .
وتتكون مديرية الصحافة في جهاز المخابرات التي أشرت إليها في سطور سابقة من شعب الإعلام الداخلي والإعلام الخارجي والترجمة والانصات على الإذاعات الخارجية ومكتبة ويديرها مدير وليس مدير عام ولكل شعبة أقسام متخصصة بجزء من دول العالم.وتتولى شعبة الإعلام الخارجي إدارة وتمويل المجلات العربية التي تصدر في العواصم الأوروبية ومنها التضامن والدستور والوطن العربي ولكن مجلة كل العرب في باريس كما أبلغني رئيس التحرير المرحوم سمير خيري كانت مرتبطة بمكتب مدير الجهاز مباشرة.
على أية حال أدمجت مديرية الصحافة بمركز البحوث والدراسات وتولى إدارته عدد من الشخصيات المعروفة في جهاز المخابرات العراقي حتى الاحتلال في عام 2003.
الأمن والجماهير
وفي مديرية الأمن العامة لجأت مديرية التحقيقات الجنائية في العهد الملكي الى إصدار مطبوعات تغطي نشاطات الحزب الشيوعي السري سمتها موسوعة سرية خاصة وغطت التحقيقات والمحاكمات واعترافات وصور كل من اعتقلتهم من الشيوعيين في المستويات القيادية في المكتب السياسي واللجنة المركزية.
وفي السنوات الأولى لعقد الخمسينات من القرن الماضي أصدرت التحقيقات الجنائية نشرة معروفة في تاريخ العراق حول نشاطات اليهود والتحقيق مع من ألقي القبض عليه بسبب جرائم ارتكبوها لصالح شبكات التجسس الاسرائيلية.
النظام الجمهوري
ولم تتوفر المعلومات الموثوقة عن النشاط الأمني في إصدار المطبوعات أو النشرات خلال العهد الجمهوري وخصوصاً عهد عبد الكريم قاسم وعهد الاخوين عارف لكني افترض وجود نشاط محدود جدا في هذا الإطار. ولم تشهد هذه الفترة نشاطاً ثقافياً.وكانت الأمن العامة أيام حكومة عبد الكريم قاسم تحت إدارة العقيد عبدالمجيد جليل الذي كانت مسؤولياته محدودة مقارناً بما كان لدى عبد الكريم قاسم من سلطة مطلقة في كل ما يكتب وينشر.
ولجأ البعثيون بعد الثامن من شباط عام 1963 الى النشر العلني ضد مناهضيهم ببث إعترافات تلفزيونية ومقابلات صحفية .وإستعاد حكم عبد السلام عارف وسيلة ورثها من حكومة نوري السعيد بنشر اعترافات المناهضين السياسيين في الصحف اليومية مع صورهم للبراءة من احزابهم.
وفي حكم البعث لثاني مرة بعد 17 تموز 1968 ومع تطور النشاط الأمني عموماً وتدريجياً دخلت الثقافة العامة والمطبوعات في إدارة ألأمن العامة ما لبثت ان تزداد زخماً عام 1976 بتولي فاضل البراك منصب مدير الامن العام، فشهدت الدائرة حركة ثقافية متزايدة شارك فيها ضباط الدائرة وبمشورة اساتذة من الجامعة .
واستحدث البراك خلال السنوات الثماني التي قضاها في الأمن العامة سابقة في تاريخ العمل الأمني العراقي حينما استعان بكوادر جامعية متخصصة في القانون والصحافة والاعلام والسياسة والقضاء والجغرافية والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والترجمة لأكثر من لغة وشجع ضباط الأمن على الدراسات الجامعية العليا في العراق وفي بريطانيا ودول اخرى .
واستحصل البراك قرارا من مجلس قيادة الثورة لتأسيس مركز التطوير الأمني داخل مديرية الأمن العامة وصرف بسخاء مكافآت لمنتسبي دائرته من الذين يؤلفون كتاباً أو أبحاثا تخدم عملهم وطباعتها بمطبعة حديثة ادخلها للدائرة وتوزيعها على جميع موظفي دائرته مع إرسال نسخ منها إلى المخابرات والاستخبارات العسكرية وأعضاء مجلس الامن القومي.
واتخذ هذا المركز مقراً له داخل مديرية الأمن العامة في الجهة المطلة على المسبح في بارك السعدون.
وأصدر مركز التطوير الأمني مجموعة من البحوث عن منظمة العمل الإسلامي والطائفة العلوية والتنوع في انتساب الشعب العراقي عرقياً وقومياً، وكان يوزع على من يهمه الأمر في الدولة تقارير أسبوعية عن التطورات السياسية والإشاعات والحرب النفسية وتقارير دورية عن أهم الجرائم السياسية والاقتصادية والثقافية التي تم ضبطها.
ولدى مركز التطوير آنذاك قسم للإعلام يتولى إصدار مجلة الأمن والجماهير مجلة جامعة شاملة يشرف على محتوياتها مجلس يضم استاذة من الجامعات وتنشر مقالات سياسية وتاريخية وثقافية وأمنية. وهنالك ايضاً من إصدارات المركز كتب تتعلق بموضوعات مختلفة مثل كتاب أمن المنشآت وكتاب حماية الشخصيات.
ونظم البراك دورات ثقافية للضباط لمدة 3- 6 شهور، ويكافئ الثلاثة الاوائل فيها بالالتحاق بالدراسات العليا في الجامعات. وكنا في جامعة اكستر البريطانية نعرف عددا من زملائنا في الدراسات العليا من هم من ضباط الأمن العامة والشرطة والمخابرات .
وختاماً نقول إن كل تلك المطبوعات السرية كما هو الحال مع المطبوعات العلنية تعرضت لتقليص عدد صفحاتها بسبب الحصار الاقتصادي وشح الورق.