مثلت الحرب الإسرائيلية الإيرانية امتحانا حقيقيا وصعبا للحكومة المغربية بالنظر ، ليس فقط إلى الظروف الاستثنائية التي أحاطت بها ، و لا بالسياق المعقد التي صارت عليه ، معطيات خاصة تهم علاقات المغرب مع أطراف هذه الحرب وضعته في موقع شد إليه اهتمام وانتباه الرأي العام في الداخل كما في الخارج .فمن حيث المبدأ تجمع المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية علاقات ثنائية جيدة و ممتازة ، بل يمكن القول بأن هذه العلاقات توجد حاليا في أوج مراحل جودتها و متانتها ، خصوصا بعدما قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب الاعتراف الرسمي بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء المتنازع عليها ، و أقرت بشرعية مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية. من جهة أخرى يرتبط المغرب الرسمي باتفاقية تطبيع مع حكومة الكيان الصهيوني، وإن لم يتم تنزيل هذا التطبيع بشكل كامل و نهائي .في المقابل توجد العلاقات المغربية الإيرانية في وضعية أزمة و قطيعة بشكل نهائي ، بسبب خلافات عميقة وحادة بين البلدين ، و لم يخف المغرب يوما اتهاماته الصريحة لطهران باستهداف المصالح المغربية الكبرى، بما في ذلك دعم جبهة البوليساريو الانفصالية بمختلف أشكال الدعم المالي و اللوجستيكي و العسكري . هذه المعطيات الوازنة كانت ترجح وقوف المغرب الرسمي ضد إيران ، و مناصرة أعدائها الذين هم أهم حلفائه في العالم . لكن المفاجأة الكبرى فيما حدث ، أن المغرب حافظ لنفسه على مسافة مهمة من هذه الحرب ، و لم ينتهزها فرصة للانتقام من طهران، أو على الأقل المساهمة بشكل ما في إضعافها ، و لذلك لم يعلن أي موقف فيما حدث رغم الضغوطات القوية التي مورست عليه من طرف حلفائه الغربيين، كما أكدت ذلك مصادر عليمة . والبلاغ الوحيد الذي أصدرته وزارة الخارجية المغربية تعلق بالهجوم الذي تعرض له التراب القطري بواسطة صواريخ إيرانية، وهو الموقف الذي أعلنت عنه باقي الدول العربية ، بما جسد ، على الأقل من حيث الشكل، التضامن العربي. وكان مثيرا أن البلاغ المغربي لم يتضمن اية إساءة إلى إيران . ويرى ملاحظون في هذا الموقف الواضح الذي حافظ للمغرب على سيادته و استقلالية قرارته الوطنية و الخارجية ، رسائل إلى كثير من الأطراف . أولها طهران التي يجب أن تفهم الموقف المغربي كرسالة غير مشفرة تبدي فيها الرباط حسن نية حقيقية، و ثانيهما إلى الأطراف الأخرى ، حيث أكدت الرباط عبر موقفها إن أن جودة علاقاتها مع المغرب لا تفقد هذا الأخير استقلاليته في اتخاذ القرارات و إعلان المواقف الذي يقدر أنها تنسجم مع قناعاته . و هذا ما كان واضحا من قبل في الحرب الروسية الأوكرانية حيث حافظت الرباط على نفس المسافة بين أطرافها رغم قوة و متانة علاقاتها مع الدول الغربية ،و في طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و بريطانيا . هكذا تكون الرباط كسبت رهان اختبارها في الحرب الإيرانية الإسرائيلية، و أحجمت عن القيام بأي دور قد يفهم منه استهداف طهران أو إضعافها ، و هي الرسالة الواضحة التي يجب أن يستوعب القادة الإيرانيون فحواها جيدا. فالمغاربة لا يشمتون حتى فيمن يعاديهم و يستهدف مصالحهم ، ويتعففون عن انتهاز الفرص واستغلالها للانتقام .