مروة الحائك ، فنانة عراقية من مدينة الموصل، حملت الألوان بيد، وواجهت بها قسوة الواقع باليد الأخرى. تجربة فنية تمتد منذ الطفولة حتى المعارض الدولية، تكللت بلقب «ملكة الألوان»، لكنها كانت مليئة بالتحديات، من التهديد بالقتل إلى محاولة طمس اسمها. في هذا الحوار، تكشف لنا الفنانة عن مسيرتها، محطاتها المهمة، وآمالها المعلّقة على لوحات لا تزال تنتظر الضوء.
* متى بدأت موهبتك في الرسم؟ وكيف كانت البدايات؟
ــ بدأت الرسم منذ الطفولة، حتى قبل دخولي المدرسة. كنت أعشق الأعمال اليدوية بالورق الملون وأشكّله بأشكال مختلفة، وألصقه على الورق المقوى. كما كنت أستخدم الطين الاصطناعي، وأرسم الشخصيات الكرتونية التي أراها في التلفزيون، وأخيط ملابس الألعاب. والدتي كانت تنمّي فيّ هذه الموهبة، ووالدي - وكان مدرساً في كلية الهندسة - كان يرسم الأشكال الهندسية، فأقوم بتلوينها. كنت أعشق الألوان منذ نشأتي.
* من كان الداعم الأول لكِ خلال رحلتك الفنية؟
ــ الداعم الأول كانت والدتي، تلتها مدرّستي التي لن أنساها. والدتي كانت تشجعني في المنزل، وبدأت برسم المناظر الطبيعية وصنع أشكال من الورق الملون، وكانت أمي تساعدني على لصقها لتكوين لوحات جميلة. في المدرسة، تعلّمت على يد معلمتي صنع المجسمات والمزهريات، ثم انتقلت إلى التطريز والرسم على الزجاج والنحاس. في المرحلة المتوسطة، تعلّمت الطرق على النحاس على يد الست بيداء، وأول أعمالي كانت تزيين نوافذ المدرسة باللوحات. كنت متميزة لدرجة أنني شاركت في معارض مدرسية ونلت المركز الأول عدة مرات.
* كيف بدأت مسيرتك الأكاديمية والفنية؟
ــ التحقت بمعهد الفنون بسبب عشقي للألوان ورغبتي في تعلم كل أنواع الفنون من تخطيط وخط وزخرفة. أقمت أول معرض خاص لي في مهرجان فني بالمعهد، وتخصصت خلال التخرج بلوحات فنية، خزف ونحت. وكنت من الأوائل، فأكملت دراستي في كلية الفنون الجميلة، حيث لاحظ الأساتذة شغفي بالألوان.
كنت الوحيدة التي ترسم مباشرة دون تخطيط، وبدأ يتكوّن لدي حلم أن أكون فنانة ذات بصمة فنية. أقمت معرضي الفني الخاص بفندق نينوى أوبروي، وحقق نجاحاً كبيراً، تلاه معرض ثالث، ثم رابع في المنتدى الثقافي. لكن للأسف، بدأت محاربتي بسبب صغر سني ورفض البعض بروز اسمي كفنانة، حتى تم منع عرض أعمالي في معرض التخرج.
* ما المحطة الفارقة في حياتك كفنانة تشكيلية؟
ــ المحطة الفارقة كانت خروجي وعائلتي من جحيم داعش إلى بغداد. هناك، استقبلني الفنانون بكل حب، وكان الدكتور شفيق المهدي - رحمه الله - أول من دعمني، وأقام لي معرضاً خاصاً في مقر الوزارة حضره فنانو المحافظات والصحفيون والقنوات الفضائية. شعرت حينها أنني خرجت من بيئة القتل إلى بيئة الحياة والسلام.
* كيف أثرت فترة احتلال داعش للموصل على تجربتك الفنية؟
ــ عشت حبيسة البيت لسنتين وثمانية أشهر بسبب التهديد بالقتل.
كانت الانفجارات تهز المدينة، وكانت الأخبار تنقل القتل والتنكيل.
لكنني وجدت ملاذي في الرسم، وكنت أهرب مع لوحاتي إلى عالم الأمل والفرح. أمي وإخوتي كانوا يهرّبون لوحاتي إلى بغداد، وهناك تبنّى أعمالي الدكتور شفيق المهدي، الذي أطلق عليّ لقب «ملكة الألوان».
* حدثينا عن مشاركاتك الفنية وأبرز معارضك.
ــ لدي عشرة معارض شخصية: سبعة منها في الموصل، وواحد في أربيل، وواحد في بغداد، وآخر في بابل. أما المشاركات فبلغت أكثر من 270 محلياً ودولياً، وكل مشاركة كانت تضيف لي خبرة جديدة.
* كيف كان وقع حصولك على لقب «ملكة الألوان»؟
ــ حملني هذا اللقب مسؤولية كبيرة، وأشعرني بواجب الاستمرار والتجدد والتميّز في كل عمل أقدمه.
* ما الذي تمثله لك اللوحة والألوان؟
ــ منذ صغري أحببت التنوع والعمل بكل الفنون. عند إنجاز كل عمل، أرى اللوحات وكأنها عائلتي، وأحب الألوان والفرشاة كما تحب الأم أبناءها.
* ما رأيك بواقع الفن التشكيلي في العراق اليوم؟
ــ الواقع صعب بسبب غياب الدعم. كلمات الثناء لا تكفي، ولا معنى لشهادات التقدير إن لم يتبعها دعم مادي.
الفنان العراقي يظل حبيس بلده، وأحلامه في المعارض الدولية تموت رغم كونه مؤهلاً لذلك.
* ما الرسالة التي تسعين لإيصالها عبر فنك؟
ــ أريد إيصال رسالة أن الجمال لا يأتي من الألوان فقط، بل في كيفية إبراز القبح ومحاربته، ومناهضة العنف بكل أشكاله.
* ما جديدك الآن على الصعيد الفني؟
ــ أعمل حالياً على التحضير لمعرض شخصي جديد، وسأشارك في معرض «الحسين سفينة النجاة»، إلى جانب مشاركات أخرى.
أما المشاركة الدولية، فتبقى حلماً بسبب التكاليف التي لا أستطيع تغطيتها.
* كيف تجاوزت نفسياً المرحلة القاسية في ظل داعش؟
ــ كنت أهرب إلى لوحاتي، وأعيش معها حكاية مختلفة. الرسم كان مهربي، الألوان كانت عالمي البديل عن القتل والموت والظلام.
* هل هناك فنان أثّر فيك؟
ــ أعجبت ببرنامج الفنان خالد جبر، واقتبست منه فكرة حب الألوان، وطريقة التلوين، وبعض رسوماته ما زالت قريبة إلى قلبي.
* ما أبرز التحديات التي تواجه الفنان التشكيلي في العراق؟
ــ إن صعد اسم الفنان، تبدأ محاولات تحجيمه، خصوصاً إن لم يكن مقرباً من بعض الجهات. لكن هذه الفكرة بدأت تتلاشى بفضل شخصيات فنية نزيهة في الوزارة، كالدكتور قاسم محسن ومعالي الوزير.
* ما سبب غياب الفنانين العراقيين عن الساحة الدولية برأيك؟
ــ السبب الرئيسي هو غياب الدعم الحكومي، بعكس دول العالم التي تسعى لتقديم فنانيها للعالم بكل قوة ودعم.
* ماذا تمثل لك الشمس في لوحاتك؟
ــ ضوء الشمس يمثل الأمل. هو شروق داخل روح الفنان، كما هو شروق ليوم جديد.
* ما اسم المعرض الذي كان له تأثير خاص لديكِ؟
ــ «العراق الصابر» كان اسمه، وضم خمسين عملاً، عكست حالة الموصل آنذاك، من عدم الاستقرار إلى الأمل.
* كم عدد لوحاتك التي رسمتِها خلال مرحلة داعش؟
ــ تجاوزت المائة لوحة، وكانت تُهرّب إلى بغداد. رسمتها تحت صوت القصف ورائحة البارود، وسط عمليات التحرير البطولية.
* ما أبرز القضايا التي تؤرقك كفنانة اليوم؟
ــ أبرزها استمرار غياب الدعم المادي من الحكومة، وهو ما يعرقل طموحات الفنانين.
* ماذا يعني لكِ رسم المرأة في لوحاتك؟
ــ المرأة هي الحياة بكل أدوارها. لوحة «الفراشة الخضراء» هي الأقرب لي، رسمتها حين تساقط زجاج النوافذ علينا بسبب انفجار قريب. كانت رمزاً للأمل، وقد تحقّق التحرر فعلاً.
* هل تواصلت مع الجهات الحكومية أو الوزارية بشأن الفن؟
* لا توجد أي اتصالات حتى الآن، رغم اللقاءات الصحفية والقنوات التي حاولت من خلالها إيصال صوتي. للأسف، لا يوجد استجابة، وأعود للتأكيد أن الدعم الحكومي غائب تماماً.
* كلمة أخيرة؟
ــ أتقدّم بجزيل الشكر للأستاذ جمال الشرقي لإتاحة هذه الفرصة عبر صحافتكم العزيزة.