كشف وزير الخارجية الإيراني، في مقال نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز”، عن تلقي بلاده رسائل أمريكية تدعوها للعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما تنفي طهران تحديدها أية موعد للاجتماع مُجددًا مع الطرف الأمريكي.
لكن في المقال نفسه، أوضح عباس عراقجي لماذا ليس من السهل أن تستجيب طهران لتلك الدعوات، قائلًا: “مع أن إيران مهتمة بالدبلوماسية وفقًا لمبادئها الراسخة، إلا أن هناك أسبابًا وجيهة لعدم الثقة في استمرار الحوار مع الولايات المتحدة، فإذا كانت هناك رغبة حقيقية في حل سلمي، فيجب على الولايات المتحدة أن تُظهر استعدادها الحقيقي للتوصل إلى اتفاق عادل، كما يجب على واشنطن أن تعلم أن أفعالها في الأسابيع الأخيرة قد غيّرت الوضع والظروف تمامًا”.
دخلت تركيا على خط تبادل الرسائل بين واشنطن وطهران، فحسب تقرير صحيفة “آرمان امروز”، صرح وزير الخارجية التركي، هاقان فيدان، الثلاثاء 8 يوليو، بأنه نقل موقف واشنطن بشأن استئناف المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى المسؤولين الإيرانيين. مضيفًا: “أنه ناقش عملية وقف إطلاق النار مع وزير الخارجية الإيراني على هامش قمة بريكس في البرازيل”، وتابع فيدان: “الخطوة التالية هي استئناف المحادثات النووية الإيرانية. هناك غموض يكتنف هذا الأمر حاليًا، فهناك مواقف متعددة”.
ويبدو أن طهران فضلت الرد عبر قناتها الرسمية للمفاوضات، وهي الوسيط العماني، فقد قدّم سفير إيران لدى سلطنة عُمان، رسالةً خطيةً من وزير الخارجية الإيراني، إلى نظيره العماني، بدر البوسعيدي، وحسب تقرير “آرمان امروز”، الأربعاء 9 يوليو، تشير تكهنات إلى أن هذه الرسالة ربما تتضمن أيضًا شروط إيران لمواصلة المفاوضات مع الولايات المتحدة، والتي سيتم تحديد أبعادها في الأيام المقبلة.
وحسب تقرير صحيفة “آرمان امروز”، في إشارة إلى تفاصيل المحادثات الإيرانية الأمريكية، قال عراقجي: “في 5 اجتماعات فقط خلال 9 أسابيع، أحرزنا أنا والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف تقدمًا يفوق ما حققناه خلال 4 سنوات من المفاوضات النووية الإيرانية مع فريق بايدن الفاشل، وكنا على وشك تحقيق اختراق تاريخي”.
وتابع: “بهدف معالجة جوهر الخلاف، أي مخاوف الولايات المتحدة من إمكانية تحويل مسار البرنامج النووي السلمي الإيراني في المستقبل، عُقدت مناقشات صريحة ومفصلة، بما في ذلك بشأن مستقبل تخصيب اليورانيوم الإيراني، كما ركزنا، بنفس القدر من الأهمية، على إنهاء العقوبات بشكل نهائي ومشاركة الولايات المتحدة في شراكة اقتصادية واسعة النطاق يمكن أن توفر فرصة بقيمة تريليون دولار”.
وأضاف: “كانت إيران مستعدة لشراكة ذات منفعة متبادلة يمكن أن تعزز اقتصاد البلاد، مع تحقيق أولوية الرئيس ترامب المتمثلة في عكس مسار تراجع الصناعة وإنعاش الصناعات الأمريكية المتدهورة، بما في ذلك الطاقة النووية، وكانت الأمور تبدو إيجابية للغاية، لكن قبل 48 ساعة فقط من الاجتماع السادس المشؤوم في عُمان، هاجم النظام الإسرائيلي بلدي إيران دون أي سبب، لذلك يجب أن يُفهم جليًا أن إيران، بعد هذا الخطأ من الجانب الآخر، تتصرف الآن بحذرٍ مضاعف”.
وحسب تقرير صحيفة “اعتماد”، فإن التحركات الدبلوماسية لطهران قد تسارعت في الأيام الأخيرة، إذ تشير رسالة عراقجي، إلى نظيره العماني إلى جهد لإعادة بناء قنوات الاتصال وبناء الثقة الإقليمية، وهو جهد قد يؤدي إلى تمهيد الطريق للعودة إلى المفاوضات.
وتابع التقرير: “أيضًا أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في مقابلة صريحة مع تاكر كارلسون، أن إيران لا تعارض مبدأ المفاوضات، إلا أن استمرار الجرائم الإسرائيلية، واغتيال القادة والعلماء، وقصف المدنيين، قد زعزع الثقة في عملية الحوار”.
وتشير الرسائل والتصريحات المُتبادلة إلى احتمالية وجود محادثات نووية غير معلنة بين واشنطن وطهران، وأن إعلانها أو عدم إعلانها سيان، المهم ظهور نتائج الاتفاق إذا ما تم رفع العقوبات عن إيران، وإذ استطاعت طهران تجاوز الغضب الشعبي داخلها والذهاب إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن، فإن هذه الاجتماعات ستكون من أجل إعلان النتائج لا التفاوض مجددًا.
رحمان قهرمانبور، الخبير في قضايا السياسة الخارجية، أشار في صحيفة “اعتماد” إلى أن العودة إلى الدبلوماسية ضرورة لكل من إيران والولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الهجوم الأمريكي والإسرائيلي على إيران في خضم المفاوضات قد دمر الثقة النسبية والهشة تجاه واشنطن.
وأوضح الخبير الإيراني: “الحقيقة هي أنه بعد الهجمات المشتركة على إيران، أصبح مجال فعالية الدبلوماسية أكثر محدودية بطبيعة الحال، ومن الطبيعي أن تكون القوى داخل الحكومة التي اعتقدت أن المفاوضات قادرة على منع الحرب، في موقف أضعف اليوم، ومن ناحية أخرى، فإن التيارات التي جادلت بأن توازن الرعب قادر على منع هجوم على بلادنا، ليس لها موقف قوي اليوم”.
وتابع: “لذلك، لا بد من التسليم بأن مساحة كلا الطرفين أصبحت أكثر صعوبة ومحدودية مما كانت عليه في الماضي، لكن رد طهران على دعوات التفاوض إيجابي، لأن تكلفة العودة إلى المفاوضات أقل كلفة بكثير من الخيارات الأخرى.